Tuesday, April 21, 2020

د. صالح العطوان الحيالي الحيالي / ياأمة الاسلام تذكروا تأريخكم

يا امة الاسلام تذكروا تاريخكم المجيد لتعرفوا .. طريق النصر
ــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي. العراق .13.4.2020
تاريخ المسلمين  تاريخ مشرق حادثة وقعت في حقبة من حقب التاريخ الإسلامي المجيد , هذه الحادثة واقع مشرق من تاريخ الإسلام يرينا كيف محق الإسلام أخلاق الجاهلية واحل محلها أخلاقا تمثل الإخاء والمحبة , وصفاء النفس والإخلاص لله رب العالمين , وكيف صانت هذه الأخلاق النبيلة وحدة الصف , وكيف صنعت للجيش الإسلامي حلة النصر .. وإنها لصفحة مجيدة من تاريخ الإسلام تصور كيف يصوغ الإيمان بالله نفسية الرجال , وكيف يسدد أعمال الأبطال , وكيف يقودهم إلى النصر والفلاح
من الوثائق التاريخية الإسلامية رسالة من الخليفة الأول – أبي بكر رضي الله عنه – إلى أبي عبيدة بن الجراح قائد جيش المسلمين في الشام يقول فيها (بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله بن أبي قحافة إلى أبي عبيدة ابن الجراح . سلام الله عليك .. أما بعد فقد وليت خالدا قتال العدو في الشام . فلا تخالفه واسمع وأطع , فاني وليته عليك وأنا اعلم انك خير منه , ولكن ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك , أراد الله بنا وبك سبيل الرشاد ).
وقبل واقعة اليرموك بعشرين ليلة مات الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه , وتولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه  , وبينما واقعة اليرموك قائمة على قدم وساق وصل إلى أبي عبيدة كتاب من امير المؤمنين عمر رضي الله عنة يقول فية : ( بسم الله الرحمن الرحيم , من عبد الله عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح , أوصيك بتقوى الله ,الله يبقى ولا يبقى سواه , الذي هدانا من الضلالة , وأخرجنا من الظلمات إلى النور .. وقد استخلفتك على جند خالد بن الوليد فقم بأمرهم , وبحقي الذي عليك لا تقدم المسلمين إلى هلكه رجاء غنيمة , ولا تنزلهم مكانا قبل إن تستريده لهم ونعلم كيف مأتاه , وإياك وإلقاء المسلمين في التهلكة , وقد ابتلاك الله بي وابتلاني بك , فغض بصرك عن الدنيا وأله قلبك عنها , اياك ان تهلكك كما أهلكت من كان قبلك فقد رأيت مصارعهم ).
هذه الوثائق تضعنا أمام خليفتين للمسلمين , من الخلفاء الراشدين وقائدين من أكفا قادتهم .. الجميع تحكم المصلحة العامة أعمالهم , فبدافع المصلحة العامة يرى كل خليفة راية في قيادة الجيش في الشام .
وبدافع المصلحة العامة ضرب القائدان العظيمان المثل الأعلى بنبالة القصد , وسلامة الهدف , وسمو الخلق , وصفاء النفس .
كان أبو بكر قد ولى خالد قيادة الجيش وكان أبو بكر الصديق مدركًا لذلك، فرحًا بانتصاراته، يدعو له ويقول: (أَعَجَزَتِ النساءُ أن تلد مثل خالد بن الوليد؟!!) وبعد أن توفى الصديق ،
أرسل عمر رسالة إلى أبي عبيدة بن الجراح في أرض الشام مع مولاه يرفأ، جاء فيها يعلمه بوفاة أبا بكر وعزل خالد من قيادة الجيوش وتولى أبى عبيدة القيادة بعد خالد بن الوليد فأرسل عمر قد بلغنا حصاركم لأهل دمشق وقد وليتك جماعة المسلمين فابثث سراياك في نواحي أهل حمص ودمشق وما سواها من أرض الشام وانظر في ذلك برأيك ومن حضرك من المسلمين ولا يحملنك قولي هذا على أن تغري عسكرك فيطمع فيك عدوك ولكن من استغنيت عنه فسيره ومن احتجت إليه في حصارك فاحتبسه وليكن فيمن يُحتبَس خالد بن الوليد فإنه لا غنى بك عنه. (فاحتياج المسلمين لخالد بن الوليد أمر لا ينكره أحد، لذا نصحه أن يستبقيه مع الجيش الذي يحاصر دمشق)..
وبعد أن قرأ أبو عبيدة بن الجراح الخطاب نادى معاذ بن جبل فأخبره، ثم قال يرفأ لأبي عبيدة: إن عمر بن الخطاب يسألك عن جيش المسلمين، ويسألك عن خالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، وعن شرحبيل بن حسنة وعن معاذ بن جبل وهم قادة الجيوش، فقال أبو عبيدة: (أما خالد فخير أمير، وأشدهم على عدوهم من الكفار، فجزاه الله عنهم خيرًا) وفي هذا شهادة من أمين الأمة على أن خالد بن الوليد ذو كفاءة عالية، وأن اختياره للقيادة كان اختيارًا صائبًا، ثم يذكر أن بقية القادة كانوا أشداء على المشركين رحماء بينهم..
ثم يكتب كلا من ابو عبيدة ومعاذ بن جبل رسالة لعمر بن الخطاب يذكرونه بعظم بالأمانة التى يتحملها ويحذرونه من بطانة السوء
أبو عبيدة يتكتم الأمر :
فمضى الرسول بالكتاب إليه , وقال أبو عبيدة لمعاذ بن جبل والله ما أمرنا عمر أن نظهر هلاك أبي بكر للناس, وما نعاه إليهم فما ترى أن نذكر من ذلك شيئًا دون أن يكون هو الذي يذكره (يريد أن يكتم الخبر عن المسلمين، حتى لا يوهن من عزائمهم، وكتم ذلك الخبر يدل على مدى ما كان عليه أبو عبيدة من زهد في الدنيا , فقد ولاه عمر قيادة الجيوش بدلاً من خالد), قال له معاذ: فإنك نِعْمَ ما رأيت، فسكتا فلم يذكرا للناس من ذلك شيئًا.
وبقي الأمر على ما هو عليه، على الرغم من أنه فيه مخالفة لأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في تغييره لأمير جيش المسلمين، ويبدو من الرسالة أيضًا أنه كان يريد أن يبلغ المسلمين بوفاة أبي بكر، لأن ذلك التغيير الذي وضعه عمر يقتضي أنه هو الذي أصبح خليفة المسلمين..
ولما علم عمر بما فعل ابو عبيدة
فأرسل عمر بن الخطاب رسالتين، الأولى: يرد فيها على رسالة معاذ بن جبل وأبي عبيدة في رسالتهما إليه،
والثانية إلى أبي عبيدة خاصةً يقول له فيها:
من عبد الله عمر، إلى أبي عبيدة بن الجراح، سلامٌ عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي على نبيه محمد ، وبعد، فقد وليتك أمور المسلمين، فلا تستحي فإن الله لا يستحي من الحق، وإني أوصيك بتقوى الله الذي أخرجك من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلال إلى الهدى، وقد استعملتك على جند خالد، فاقبض جنده، واعزله عن إمارته.
ويتداول المسلمون الأمر فيما بينهم، حتى يصل الأمر إلى خالد بن الوليد ، (من تاريخ دمشق: فأقبل حتى دخل على أبي عبيدة فقال: يغفر الله لك يا أبا عبيدة؛ أتاك كتاب أمير المؤمنين بالولاية؛ فلم تُعْلِمْني وأنت تصلِّي خلفي والسلطان سلطانك!!)، (لأن الصلاة تكون للأمير، أو الوالي على المسلمين، حتى وإن كان مَنْ خلفه أقرأ منه، وكان هذا فقط ما أقلق خالدًا ، فلم يسأله: لم عزله عمر؟ ولم يعترض على رأي خليفة المسلمين!) فقال أبو عبيدة: وأنت يغفر الله لك، والله ما كنت لأعلمك ذلك حتى تعلمه من عند غيري، وما كنت لأكسر عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله, ثم قد كنت أُعْلِمُكَ بعد ذلك، وما سلطان الدنيا أريد وما للدنيا أعمل، وإنَّ ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن إخوان وقُوَّام بأمر الله ، وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه، بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة إلا من عصم الله وقليل ما هم.
ولم يعترض أحد على ما قرره الخليفة من عزل خالد، كما لم نسمع عن اعتراض على توليته على الجيوش، وقد كان أبو عبيدة أميرًا عليها، وهذا يعكس لنا إلى حد بعيد، طبيعة ذلك الجيش الإسلامي المنتصر، فلا فرق لدى المسلمين، فهم تحت أي إمرة يعملون، وفي أي صف يشاركون، وإنما هدفهم رضا الله ، والجهاد في سبيله. وهذا يوضح لنا أنه لا يمكن أن يعود الإسلام من جديد إلا بجماعة من المسلمين متحابين مترابطين.
المصادر
1- تاريخ دمشق لابن عساكر
2- فتوح الشام للواقدي
3- تاريخ الرسل والملوك للطبري
4- تاريخ الخلفاء للسيوطي


No comments:

Post a Comment