لموهبة( الشاب يقين) انامل تشق طريقها بين الجبال
بقلم : سيدمحمد الياسري
للقرية انامل تصعب المدينة ان تبدعها ، ليس لان القرية تلد الابداع من دون المدينة ، بل لان الشمس تداعب انامل القرية بأول اشراقة وتودعها باخر غروب ، ليس هذا وحسب بل لان النجوم في القرية تمسكها الانامل وتعدها السبابة ، نجم .. نجم .. حتى الغفوة، عكس المدينة التي لا ترى النجوم الا بالحرب حين تخفت اضواءها... ، او اشراقة الصباح ، كل شيء في القرية يخلق الابداع حتى الطريق غير معبد والسواقي بجانبها يخلق انامل من محاولة العبث في الطين الى اشكال ينحتها الطفل مرئية وخيالية ، محاولات رسم البستان من الطين والانسان والحيوان والطير ، كما هي محاولات رسمها بالقلم والورق ، هكذا صنعت الموهبة من دون أستاذ يراه ينحت او معلم يتأثر برسوماته هكذا بدأ الشاب ( يقين حيدر الخفاجي ) يثير الطبيعة بانامله نحتا ورسما ويتجاوز حدود تعلم الفن ومدارسة باتقان لان ايقن ان انامله هبه الله في رسم ابداع الخالق ..
من قرية شمال محافظة ذي قار جنوب العراق ، تتوسط مدينتي الشطرة والغراف ، من قرية ( ال صكبان ) بدأت تبهر انامل (يقين ) من حوله وهو يطابق خطوطه خطوط الفوتوغراف ، وكأنه لا يريد ان يترك لك اثر انها خطوط يد وليس كمبيوتر، ( يقين ) يبلغ من العمر ( ٢٠) ربيعا ، لم يدخل اكاديمية الفن ، ولم يدرس بالابتدائية او المتوسطة او الإعدادية مادة الفن ، لان مادة (التربية الفنية) في مدارس العراق ظلت مغتصبة للدروس العربية او الرياضيات او الإنكليزية ..الخ ، ظلت خارج بحث التربية والإرشاد ، وان صح لها أستاذ ظل بعيدا ان اطار درسه فقد كُلف بدروس أخرى ، لان الفن لايوجد له صنعة الا عند الموهبين الذين كثير منهم دفنوا وماتت مواهبهم ، وقليل مما رفض ان تموت انامله مثل ( يقين حيدر )..
مع فنه وحسن خطه لم تبدُ عليه ملامح أي مدرسة ان كانت طبيعية او انطباعية ، واقعية ، كلاسيكية ، تكعيبية ، ليس لانه لا يعرفها لان النت جعل المعلومة في متناول اليد بل لانه موهوب على فطرته ينميها بالمهارة التي يكون هو أستاذ نفسه ، مما يؤهله الى عالم فن آخر بعد تخصيب خياله وتوسيع ملكته – ان جاز التعبير – فلو قدر له تلك السعة وجعل المتخيلة فن ، وانزلها منزلها الحسي على الورق لكانت مخيلة المعري او دانتي انطلاقة الى حيث الوصول الى عالمه الصغير بواقعه المتسع بمخيلته ليصيغ لزوميات مختلفة لعالم اخروي في تصوير يوم الكوميديا الالهية لدانتي ....
لاتعي تلك الفسحة الصغيرة في متسع المعمورة ، ان الانامل أوسع من رسم الانطباع ، والطبيعة ، والتجريد ، ربما سيأتي يقين في المستقبل بعدما تتبلور فكرته وينمو تلك الملكة والمتخيلة بعد اكتمال وتدريب الموهبة وصقلها ربما سياتي بمستقبل سيكون فيها يقين مدرسة فنية تنبثق من عالم صغير يحاول كسر جدرانه نحتا بأدوات بسيطة ، ورسما بقلم رصاص وفحم... ان يتجاوز الألوان الطبيعة بطيف الانطباعية وجمال التجريدية ودقة الكلاسيكية وصفاء التعبيرية ، ودلالة التكعيبية ، ربما لاهذا ولا ذاك ان يترك ضوء شروق الشمس شيء اخر يتركه لنا في انامل يقين نحو فن يراه بحلمه ويبعثه حيث ينتشر الورد بين حافات العالم ... يقين شاب يراه الفن انه سيبهر بأنامله وهو يمسك ريشه تحدد الفناء مع الوجود ، قد تحمله اياد فنية وتنير له الطريق او على الأقل ترفع عنه حجر العثرة او اشواك تؤخره ولاتعجزه ، وبكل الأحوال يقين سيمشي بهذا الطريق ان تعثر او رفع عنه احد الحجارة ...
في بداية ١ تموز عام ٢٠٠٠ كان الفن سعيدا بمولد يقين ، وسعدت ابتدائية الفلاح ان تحضنه تلميذا كتب اول حرف فيها وحول الاصوات الى رموز وخطوط محدده ثم ثانوية الفلاح لتسلمه أخيرا لكلية القانون بعيدا عن اكاديمية الفن ، الا ان قلمه لازال يصور تلك اللوحات والوجوه والهندسة الفكرية ، بانتظار الانتظام الى مدرسها تصنعها هذه الانامل ،...
Thursday, October 29, 2020
الأديب الكاتب سيد محمد الياسري / النص الرائع / أنامل تشق طريقها الجبال
الأديبالقدير أ. باسم عبد الكريم / النص / بنية الصراع الطبقي
{بنية الصراع الطبقي في ق.ق."براغيث الأسفلت"
للقاص المصري "اشرف عكاشة"
القصة :
-------
ينهمر العرق من جبينه الكالح بغبار الأسفلت، كيسه البلاستيكي يكاد يخنقه، أثقلته حبات القمح، كنسها من بطن شاحنة تنهب الطريق ، يتوارى القمر خلف غيمات كئيبة، ما عادت ترق لوجه الحقول الذي شققته التجاعيد...
أنامله تيبست على مقبض باب الشاحنة الخلفي، تتسلل إليها رعشات متتالية تنبعث من صرخات معدته الخاوية، يرمقهم بعد أن قفزوا ولم يمهله السائق حتى يستجمع شجاعته ويلحق بهم، وفجأة ينفتح الباب وراح يطوحه ، فيرتطم بجانب الشاحنة تارة ، والأخرى يحاول أن يعيد الباب مغلقاً
ملتصق، به كوشم بارز، أنامله تضعف،
الصور تنهمر تترى أمام عينيه..
وجه ذاك العجوز تهلل عندما باعه بضعة أكيال من أسمدة، جمعها من بطن شاحنة أفرغت حمولتها في دوار العمدة، ودكانه العامرة وحدها بالتقاوي والأسمدة.
وجه (سوسة) الذي رباه وهو ينتزع منه حصيلة يومه ليشترى بها سجائره...
يساقط عرقه على جرح دام يكويه؛ فساخت روحه...
كادت أصابعه أن تنفلت،
صورتهم وهم متقنفذون على أنفسهم قبيل الغروب، وفي طيات الطريق المتعرج نتوء ممدد يخدش حياء السيارات الفارهة، ويرغم الشاحنات الضخمة أن تتهادى وهي تجتازه؛ فيقفزون جميعا فجأة، ليتشبثوا بمؤخرتها، يبتسم لـ(سوسة) وهما يمنيان النفس بطبق من البليلة الساخنة.
تنبت قاماتهم عند المطب ، ينفضون عنهم التراب، وحده مازال ملتصقاً بالباب، لاحوا كأشباح في مرآة السائق، فيستشيط غضباً، يجذب الفرامل صارخاً، فيرتطم الباب، وتدوي معه طقطقة عظام الصبي ، دماء سالت من رأسه لوثت صورة الزعيم الذي طاله سباب السائق - وكان من قبل يفاخر بها على شاحنته،
يسقط ...
يسقط،
تدهسه سيارة فارهة كانت تحاول المرور إلى جوار الشاحنة .
السيدة التي نزلت من السيارة الفارهة راحت بمنديل معطر تمسح دمعة فرت من أسفل نظارتها ثم أومأت لصاحبها إلى بقعة الدم التي لطخت وجه سيارتها ،
بينما العصافير التي أرقها صوت الفرملة عافت الحبات التي خالطتها الدماء.
--------------------------
الدراسة :
---------
تعتبر عتبة النص الادبي العنوانية نصاً موازياً له ، لتعالقها معه دلاليا ، واختزان سيميائيتها بعلامات ،رموز ، وتكثيف معنوي ، موحية ، ظاهرياً او إضماراً ، بقصديته / مغزى موضوعه ، قبل الشروع بقراءته، وتسهم في فك شيفراته وإزالة الغموض عنه، فهي بذلك تمثل المفتاح الإجرائي الذّي يساعد على فتح مغاليق النّص السّيميائية ( ألغاز أحداثه ، إيقاع انساقه الدّرامية ، توتّره السّردي ،وبنيته الخطابية ... الخ )،
وعتبة القصة العنوانية " براغيث الاسفلت " مشفرة دلالياً ،وللحصول على مفتاحيتها سأقوم بتفكيكها في ادناه:
اشارتا العنوان،ظاهرياً، متضادتان وغير متعالقتين دلالياً وكما يلي :
ـ براغيث : حشرات طفيلية تغذى على دماء الحيوان والانسان ، ناقلة لامراض خطيرة لمعيلها
والعبارة العنوانية سكتت عن نوع هذه البراغيث ،أهي مما تتطفل على الاول ام على الثاني ؟
ـ الاسفلت : مادة لإكساء الشوارع ، بغية تعبيدها لسير المركبات والعجلات بسهولة وأمان ، فهي غير حية / ميتة
فيكون تضايف هاتين الاشارتين ممتنعاً لخلو(الاسفلت )من الدماء.
مما يحملنا على المضي في تفكيك هذه الاشارة للتعرف على ماتضمره من دلالة :
تفكيك الاشارتين في اعلاه،انتج تعالقاً استعمالياً لكل منهما كما في هذه المقاربة :
ـ ركنا التعالق.. : الاسفلت / الشارع
مقاربة دلالته .. : كاسٍ / مكسو
نوعه...: تعالق موات
ـ ركنا التعالق.. : الشارع / الانسان
مقاربة دلالته .. : مسار/ سائر
نوعه ... : تعالق ميت / حي
فيكون الاسفلت ازاحة دلالية عن الشارع .
ويتوجب وجود(الدم) كمسوغ لانتفاء امتناع تضايف اشارتي العنوان .
و لإن الدم يسفك على الشارع بسبب حوادث الدهس والانقلاب التي تسببها وتتعرض لهاالمركبات ، وبحكم التعالق الاستعمالي بين الشارع والانسان ، كما في الجدول اعلاه ، يكون الدم المسفوك دماً انسانياً ، بذا عرفنا ان البراغيث هي من النوع الذي يتطفل على الانسان ، وهذا الدم لابد ان يسفك بغزارة ليتشربه الاسفلت كي يتحقق ذلك الانتفاء، ويغدو تضايف اشارتي العنوان معقولاً .
مقاربة الشارع / الحياة رمزياً :
الشارع كمسلك / مسار لانتقال الانسان مكزمانياً من نقطة الانطلاق / البداية ، الى نقطة التوقف / النهاية ، مروراً بمحطات ، مفاجآت ، موانع ،حواجز ، مخاطر ،..وغيرها مما هو متوقع / لامتوقع من احداث ، وهو بهذه الدلالات المخبوءة يقارب رمزياً الحياة . بما تعنيه من ولادةالانسان / بداية ، موته / نهاية ، ومابينهما ممايمر به في رحلته المكزمانية ( عمره ) من وقائع .
مما سلف تكون مقاربة شيفرة العنوان الدلالية :
الطفيلون المعتاشون على دم الناس
المتن :
القصة ذات خطاب تواصلي اركانه :
مرسِل(القاص ) ـ رسالة ـ سياق سردي اجتماعي ـ مرسَل اليه ( القارئ ).
سيميائية لغتها السردية تعبيرية قريبة لوعي القارئ تتكئ على :
أ ـ دلالات اشاراتها الجلية المعاني على سبيل الاستشهاد :
( كيسه البلاستيكي ، كنسها ، بطن شاحنة ، .. ،أكيال ، دوار العمدة، التقاوي ، الأسمدة ، البليلة ، طقطقة ،السيارة الفارهة، منديل معطر، لطّخت ،فرملة ،... ) بقصد وصول معنى القصة الكلي/ فكرتها بلا ايهام او غموض الى المتلقي، مع توفر عنصرِي الايحائة والرمزية المتولَّدين من تضايف بعض هذه الاشارات ، وتقابلية دلالاتها في النسيج السردي .
ب ـ طغيان صورها الواقعية الابعاد كما في :
(( وجه ذاك العجوز تهلل عندما باعه بضعة أكيال من أسمدة))/ (( لاحوا كأشباح في مرآة السائق، فيستشيط غضباً )).
بنائية الحدث القصصي :
ترتكز هذه البنائية على مفهوم الصراع،الظاهرالمعلن والباطن المسكوت عنه،بين رمزية شخصيات القصة الرئيسة والثانوية :
ـ شخصية القصة الرئيسة/ بطلها ،الصبي الذي يقص الراوي/الكاتب حكايته بحيادية بالاشارة اليه بصيغة ضمير الغائب (الهاء المتصلة )، وللصبي رمزية الامل و المستقبل الواعد .
مربع أبْعادِ هذه الشخصية:
سأستحضر صفات هذه الابعاد الاربعة من النص ،ثم مقاربتها معنوياً ،ومن بعدها احدد مكافئاتها الدلالية:
ـ البعد الزماني الداخلي / العمر : (( ..وتدوي معه طقطقة عظام الصبي )) / المقاربة :
مرحلة الطفولة المتأخرة .
المكافئ الدلالي : سلوكية غير معقلنة لعدم تكامل الوعي .
ـ البعد البدني :(( ينفتح الباب وراح يطوحه))/المقاربة: خفة الوزن
مكافئ المقاربة الدلالي : الوهن وضعف البنية
ـ البعد النفسي:(( يساقط عرقه على جرح دام يكويه؛ فساخت روحه)) / الألم العميق ، (( صرخات معدته الخاوية)) / المقاربة شدة الجوع
مكافئ المقاربتين :الشعور بالحرمان
ـ البعد الاجتماعي:(( جبينه الكالح بغبارالأسفلت )) / الكدح الممرغ بالشقاء
(( ينتزع منه حصيلة يومه ليشترى بها سجائره)) / مصادرة الجهود
(( فيقفزون جميعا فجأة، ليتشبثوا بمؤخرتها/ الشاحنات ))/ انتزاع لقمة العيش من فم الخطر المميت
(( يبتسم لـ(سوسة) وهما يمنيان النفس بطبق من البليلة الساخنة ))/ بسيط الاشياء حلم متمنى ((يسقط،تدهسه سيارة فارهة كانت تحاول المرور إلى جوار الشاحنة))/الموت ثمن سد الجوع
مكافئ المقاربات : الفقر المدقع
وباستدعاء صورة الحدث القصصي المكزمانية (( يتوارى القمر خلف غيمات كئيبة، ما عادت ترق لوجه الحقول الذي شققته التجاعيد...)) ، تتضح سوداوية ونضوب معالم حياة الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها بطل قصتنا.
بتجميع المكافئات الدلالية اعلاه تتشكل بنيته الهوياتية :
سلوك غير معقلن + ضعف البنية +الحرمان +الفقر المدقع =انساناً فاقداً لأسباب الحياة الكريمة ،مفتقرا ًللتعليم.
المعادل السببي : بؤس + جهالة = تجاهل واحجام سلطوي عن القيام بمسؤولياتها
مقاربتها السوسيوسياسية : الطبقة الدنيا مهمشة سلطوياً
ويقابلها في بنية الحدث طبقة عليا ثرية يمثل شخوصها :
ـ العمدة / رمز السلطة الجائرة المحتكرة للثروة :((أكيال من أسمدة، جمعها من بطن شاحنة أفرغت حمولتها في دوار العمدة، ودكانه العامرة وحدها ))/ " وحدها" اشارة لأنانية العمدة / السلطة
المسكوت عنه : سلطة لايهمها ان يجوع الفقراء
ـ السيدةوصاحبها/ رمزية للااخلاقية وفساد هذه الطبقة ولاانسانيتها:
((السيدة التي نزلت من السيارةالفارهة راحت بمنديل معطر تمسح دمعة فرت من أسفل نظارتها ثم أومأت لصاحبها إلى بقعة الدم التي لطخت وجه سيارتها )) فالعطر ، وهو ذو دلالة ترفية ، يلازم حتى اشياءها البسيطة ( المنديل )، وهي ذات صحبة( صاحب )!! وهو غير الزوج او القريب / المقاربة : علاقة مشبوهة
ولاصلة وثيقة لدمعتها بموت من دهسته فقد يكون ما جعلها تفر من (أسفل نظارتها)مالحق ( وجه سيارتها) من تشوّهٍ بفعل(بقعة الدم)التي لطخته.
وكان لابد ان تتوسط بين تلكما الطبقتين طبقة اخرى ( الطبقة الوسطى )لاتمام مركبات بنية الهرم الاجتماعي للحدث ، واحكام حبكة صيرورته الصراعية، وهذه دلت عليها رمزية( سائق الشاحنة ).
ظاهرية الصراع والمسكوت عنه :
التمايز الطبقي خلق توتراً صراعياً مخبوءاً تحت ظاهر احداث القصةالفرعية/ مسكوتاًعنه، تمظهرت اطرافه في :
1ـ ظاهرياً :البطل يستعطي بطن شاحنة قمحاً لسد جوعه(( حبات القمح، كنسها من بطن شاحنة تنهب الطريق ))
يقابله تخمة دوار ودكان العمدة:(( شاحنة أفرغت حمولتها في دوار العمدة، ودكانه العامرة وحدها بالتقاوي والأسمدة))
المسكوت عنه :احتكار السلطة لأسباب العيش كيما تزيد من ثرائها، يكون على حساب حرمان وجوع الفقراء ، فهي سبب شقائهم .
2ـ ظاهرياً:البطل وصَحْبُه / الطبقة الدنيا ، يحاولون التعرض للشاحنات (( فيقفزون جميعا فجأة، ليتشبثوا بمؤخرتها/ مؤخرة الشاحنات الضخمة))،ولعله هو والآخر الذي معه يحصلان على مايسد جوعهما(( يبتسم لـ(سوسة) وهما يمنيان النفس بطبق من البليلة الساخنة))
المسكوت عنه : حلم الجياع بالشبع يدفعهم لمحاولة السطو على بعضٍ مما يعمر موائد الاثرياء/ الطبقة العليا
المكافئ السياسي : انتفاضة الجياع
3ـ ظاهرية دلالة سائق الشاحنة/الطبقة الوسطى: ـ غير متعاطف مع الطبقة الدنيا فهم في نظره (( لاحوا كأشباح ))في مرآته ، ولم يمهل البطل (( ... حتى يستجمع شجاعته ويلحق بهم ))، ـ يتسبب بمقتل الصبي (( فيستشيط غضباً، يجذب الفرامل صارخاً، فيرتطم الباب، وتدوي معه طقطقة عظام الصبي )) ، بالاشتراك مع مترفي الطبقة العليا (( يسقط، تدهسه سيارة فارهة كانت تحاول المرور إلى جوار الشاحنة )).
/ مقاربة التجاور : التقارب النفعي / الخدمة مقابل اجر ( يماثله في القصة نقل البضائع) ،او اضطراري ( توحّد مسارهما حياتياً) .
المسكوت عنه : انحياز السائق غائياً/ مصلحياً للطبقة العليا على حساب تلك الدنيا .
ـ لامبدئيته ولاانتمائيته (( دماء سالت من رأسه لوثت صورة الزعيم الذي طاله سباب السائق - وكان من قبل يفاخر بها على شاحنته))،
المقاربة : التزلف الزائف للسلطة برفع صورة زعيمها
المسكوت عنه : مآسي الفقراء فضحت شعاراتية الطبقة الوسطى ولاصدقية ولائها
بؤرة الحدث الدلالية : يتمركز قصصد القصة في بؤرة حدثها المضمرة تحت العبارة :
(( يسقط ...
يسقط ))
مقاربات بنياتها الدلالية والتركيبية :
ـ جملة فعلية (آنية ـ مستقبلية) الزمن / فعل مضارع مثبت مؤكدة بالتكرار، فاعلها ضمير الغائب المستتر رمز اليه الكاتب بثلاث نقاط بعد فعلها الاول ووضع فارزة ( ، ) بعد الثاني ليقطع الصلة ظاهرياً بينها وبين العبارة التي بعدها ( تدهسه سيارة ..)، ساؤجل امر تقديره لفقرة تالية .
ـ مكتوبة بايقاع شاقولي / عمودي لمشاكلة فعل السقوط بصرياً/ تشكيلياً من اعلى الى اسفل لتعميق وقع دلالته لدى المتلقي .
ـ جاءت العبارة بعد اسمين / الصبي والزعيم ، الاول لم يسقط وانما أُسقِط بفعل ( الفرملة) ومانتج عنها ، والثاني سقط اعتبارياً(( الزعيم الذي طاله سباب السائق ))، كما ان مقتل البطل من قبل رمزَي الطبقة العليا والوسطى بالتشارك ،اسقط القناع عن حقيقة السائق اللانتمائيته لكليهما،فهما من سقط .
خاتمة القصة (( بينما العصافير التي أرقها صوت الفرملة عافت الحبات التي خالطتها الدماء))
وبتشريح سريع لبعض اشاراتها :
ـ العصافير : رمز السلام والبراءة
ـ عافت : تركت وهجرت
ـ الحبات التي خالطتها الدماء: بالعودة لاحداث القصة هي ماكان الصبي يحملها في كيسه البلاستيكي واختلطت بدمه المسفوك.
مسكوتها الدلالي : ماجمعه من فائض موائد الاثرياء .
باستدعاء( صوت الفرملة ) تكون مقاربة دلالتها المضمرة :
السلام مطرود من حياة الفقراء فهي معجونة بالشقاء.
دلالة مقتل الصبي :
رمزية الصبي التي سبق الاشارة اليها، تنتفي بموته ، فلا يعود للطبقة الدنيا التي مثلّها في سياق الحدث القصصي ، املٌ في الخلاص ممن تلك (البراغيث )البشرية التي تعتاش على دمائهم ،متطفلة على حياتهم .
ـ باسم الفضلي العراقي ـ
الأديب القدير الدكتور حاتم جوعيه / النص / الحب نور
- الحُبُّ نورٌ -
( شعر : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل - فلسطين )
لقد أعجبني هذا البيت من الشعر المنشورعلى صفحة أحد الأصدقاء في الفيسبوك ، وهو :
( وألذ ُّ من طيبِ الشَّرابِ على الظما لقيَا الأحبَّةِ بعدَ طولِ غيابِ )
فنظمتُ هذه الابيات الشعريَّة ارتجالا ومعارضة لهذا البيت :
الحُبُّ نورٌ يا ذوي الألبابِ الروحُ تسمُو في رُؤى الأحبابِ
لقيا الحبيبِ تُزيلُ نيرانَ الظمَا من بعدِ طولِ تباعُدٍ وَغيابِ
وألذ ُّ من طيبِ الشَّرابِ حديثهُ كالشَّهدِ .. أو كالخمرِ في الأكوابِ
إنَّ الحبيبَ منارُ عيني والمُنى وَهُوَ الوجودُ بحُسنِهِ الخلّابِ
العيشُ طابَ بقُربهِ وَبوَصْلِهِ والخيرُ يرفلُ ... حلَّ دونَ ذهابِ
بسمَ الزّمانُ لنا وَلِظلنا والوردُ مَنثورٌ على الأعتابِ
الفجرُ يسطعُ بعدَ ليلٍ دامسٍ والضوءُ مُندَفِقٌ مِنَ الأبوابِ
مثلُ الطبيعةِ نحنُ في إبداعِها نختالُ دومًا في بُرودِ شبابِ
فوقَ النّجُومِ لقد تسَاما صرحُنا والغيرُ ظلَّ مُنكّسَ الأطنابِ
الأديب القدير الشاعر واثق العراقي/ النص/شعر شعبي / أوكف يادولاب
اوكف يادولاب الدنيه
رجعلنه الايام الحلوة
لتظل فد نوب اتعذبنة
يوم فوك يوم جوه
ماكو شي دايم على حاله
لاضحكة اتدوم ولجروح
حته الروح ال ابجسم ابنادم
على اي لحظه الربهه اتروح
ميظل بس ابطاري الطيب
متظل بس الكلمة الحلوة
لتظل فد نوب اتعذبنة
يوم فوك يوم جوه اوكف يادولاب الدنيه
الأديل القدير د. المفرجي الحسيني / النص / طرقات على الباب
طــرقات علـى البــاب
--------------------------
طرقات على الباب ،أوجس أنها يد تطرق دوما ،يتدفق من ثغر ما ،ريح عاتية ،ساقت إحداهن ،من دروب الموت البعيد ،انزاحت ظلال ،خلف الظلال ،عبر نوافذ بيوت القرية الطينية ،أين تراني ،أخبئ نفسي ،أو أطفئ قنديلي ،ناي القرية يندح بصوت مرتفع لا يصمت ،سيحدث شيء ما ،أنا بلا عمل ،ولا أحد يسأل ،حتى الجار يقرأ عني الخطأ ،بليل حدود يرى ما لا نرى ،أنا التذكار والتاريخ والحكايات ،أنا خبز تنور ،جدتي وأمي لا مثيل لهما ،أنا شاي العصاري ،عند موقد النار ،أنا قبضة سنابل
قمح في الحقول البعيدة ،أنا الألم والآه ،شيء يحدث في فناء داري ،خلف الابواب ،من أين اقتحمنا ،من أين طلّ ،ظل ممتد على أفنية بيوتنا
ساكن فينا، في ليالينا ،في سهر العيون ،إذن هنا أنا ،أمشي على صحراء ولا أغوص ،نساء القرية بخمرهن ،على شاطئ النهر ،يخضن بأرجلهن في الماء ،يغنين، يتهامسن، يتحدثن ،يبلل الماء ضفائرهن ،يرتشقن ماء النهر بأكفهن ،بأضلاعهن، يغادرن ،أنا ملتاع ،أنسلّ مع موج النهر ،أغني وأدبك ،أملئ الافق ،أصرخ ،أركب جملا، أصعد تلا ،أنا بلا شيء ،مكتئب حزين، ،كخنجر عربي ، صدأ في غمده ،أنتحب ، كعرب رحّل
وحيد ، كنخلة أندلسية ،كناي مرمي على كثبان الرمال ،ذاكرتي تتكاثر ،لا أتناثر ،لا أموت ،عرس في البيداء يبدأ ،تزقزق عصافير الوادي ،الرعاة يهرجون مع ثغاء الماعز ،صبية وفتيان كالأنوار ،تحركت الاغصان ،اهتزت وربت الاشجار ،تسطع بأثمارها ،الصحارى والحقول ،تتدفق ،هذا أنا ألوّح ، أصرخ، سأنادي ،تعالوا نجمع أحزاننا ،نعبئ ألامنا، نغني
نمتد الى أعالي الجبال ،ندع سكنا منحوتا في الجبال ،جميلا وحزينا ،ينساب الماء كشلال من عمق الليل ،غناء قديم ،أجراس ترّن ،شال يرفرف كراية، يبرق ،تحضرين في سواد الليل ،تطرقين بابي الموحش
في برية أسكنه ،ليس لها قرار ،أشمّ واستنشق حقول القمح ،ساحل يمتد
أشجارها عالية ،نسائم الريح من صوب البحر ،أغمض عينيّ ،يحشرني الفجر بأنفاسه ،تتحفز مسامات جسدي ،أصرخ ،أشتعل بالأسئلة ،دون أجوبة ،غمضت عيناي، نمت ،الاسئلة لا زالت تقرع صدري ،لم أمت
لكن غطتني أوراق الاشجار ،تسرب عطور الاثمار لأنفاسي ،نسجت الظلال ،تسترت بها، حلمت ،قاومت في غسق دموي ،شاهدت نزع القبور، والنصب ،أتجول بين القرية والنهر ،نبأني اليوم والامس، ومن رحلوا ،ولم يصلوا، أنبأني الامل.. ،صوتي جهور ،ينبغي أن يظل قويا
صارخا في كياني ،تجمعت ،تفرعت في الاشجار ،موزع جسدي في معارك دموية ،في جنون الوقت ،في المدى الحارق ،دمي في كلامي وكل شيء ،دمي الموج في عيون متوهجة ،من تخوم الصحارى ،من سلالة أجدادي ،منذ بدايتهم على أرضهم ،من آثار جمالهم ،في بيدائهم ،برية قاسية ،دم صاخب في الشرايين ،دم لاهب في هامة الرأس ،جسد قريتي يلوب ،ناسها تلوب ،أسى ،أحترق ،يحترق دمي ،أختبئ ،أسكب ما يفي منه ،للزهور البرية ،قريتي القصية الرابضة بعيدا ،أرفع قبضتي جارحة دموية ،يظل صوتي ،ملعلعا في سماء بريتي ،قريتي البائسة ،قالوا قريتي وغبار الرمل ،قالوا صباحا ،هذه القرى ،ليست وجهي ولا أنا منها، أنا وحدي ،لا قمر يؤنسني ،لا رباب ولا ناي ،دمي النافر ،ذهب في جراح الارض ،قطرة من دمي ،عطشى ،سحابة لا عبر باتجاه السماء ،لا عمر مديد ،لكن ما يكفي لأ سفحه عند أول سقوط...
**********
المفرجي الحسيني
طرقات على الباب
العراق/بغداد
28/10/2020