Friday, November 6, 2020

الأديب الناقد القدير أ. باسم عبد الكريم العراقي / النص / مفتاحية التناص

{ مفتاحية التناص }
ـ قراءة تحليلية عن نص الشاعر"محمد يوسف" ـ
النص ..:
--------
مللتُك أَيُّهَا الْمُرَبَّع الْأَحْمَر ،
سئمتُ صمتك المشؤوم
وضجيج كَذَّبَك الرنان 
احْتَرَقَت كُلّ المربعات
والبيادق بَاتَت رَمَاد وَدُخَان
لَم تَكْتَرِث لبكاء الْعَصَافِير .
بَل رَاقَ لَك نَحِيب الْغِزْلَان

متى يا شَهْرَزاد؟
ستقصين لشهريار النائم
حِكَايَاتٌ مَا خَلَّفَ الْجُدْرَان ،

لم احْتَمَل وشوشات السَّمَاسِرَة
وَهم يمَزَّقون أَوْصَال الرُّقْعَة سِرًّا
ويبيعونها مقطعة بِلَا مِيزَان ،

أَنَا لَسْت جلموداً وَلَا جبلاً
فَكَيْفَ لِي الْبَقَاءِ فِي ذَاكَ الْمَكَان ،

-بكل بُرُود خلعتُ حِذائِي الضِّيق
ورحتُ أَزْحَف خَارِج الزَّمَان
بَيْنَمَا رَأْسِي المنكوب
رَاحَت تهْتَزّ يَمِينًا وَشِمَالاً
وَهي تنْفُض غُبَارٌ الْخِذْلَان ،

للمجهول اكملت المسير
وظنّنت أن أنال مِن جُيُوب الْغَد
قَلِيلًا مِنْ الهُدوء وَشَيْئًا مِنْ الْأَمَان ،
لَكِن كُلَّمَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِ العابرين
أَمْطَرَت سمائي حزنها
وتبللت مني الْوَجْنَتَان
"" ""
خَارِجِ الرُّقْعَةِ
بِلَا أَمْطَار تنبت دوما ،
بِذور الذَّاكِرَة .
...................
القراءة.. :
----------
لنفكك اشارات النص المحوريةولأبدأ بـ"المربع الاحمر" :
ـ المربع:
تتحدد دلالتها بالاحالة داخلياً على ((والبيادق بَاتَت )) و ((تَمَزَّق أَوْصَال الرُّقْعَة )) بأنها:رقعة الشطرنج المربعة ( 8×8 مربع ).
وهي تستدعي : لاعباً + احجاراً ( القطع الشطرنجية الملعوب بها ).
وهدف هذه اللعبة إماتة / قتل ملك الخصم بوضعه تحت تهديد بالأسر لا يمكن الفرار منه / كش ، ولايتم ذلك الا ( بقتل ) كل مايحول دون هذا من احجار/ قطع الخصم.
ـ الاحمر : ازاحة دلالية عن "الدم" لتعالقها السياقي مع فعل قتل البيادق (( والبيادق بَاتَت رَمَاد وَدُخَان ))
وبتعالق (الدم) مع كينونة حية حصراً، تكون دلالة الاشارة الجمعية "البيادق"  مزاحة عن :الجنود .
بتركيب ماولّده تفكيك ظاهر دلالتي  الاشارتين  "المربع الاحمر"  ، تتشكل دلالتهما المضمرة  :
ازاحة دلالية عنٍ ( الحياة ) المستباحة
موضعتها مكزمانياً :
(الوطن) المسفوكة دماء شعبه.
والمفروغ منه ان لكل وطن سلطةً تسوسه ، وتدير اسباب العيش لشعبه ، ولما كان لكل سلطة رأس / قائد حاكم ( ومرادفاته) ، تكون دلالة (اللاعب ) مزاحة عنه.
ـ مللتُ/ سئمتُ : اشارتان مترادفتان ، كل منهما مركبة من فعل + ضمير فاعل متصل (تاء المتكلم)، سافككها الى مركباتها :
مدلولهما لغةً: ضجر، مصدرهما : مللٌ ، ملالة / سأْم ، سآمة
دلالتهما سايكولوجياً: شعور الفرد بعدم استقراره داخلياً، سوداوية نظرته للحياة،والتعب العقلي، جراء فعله الشيء نفسه مرارا وتكراراً / فعل روتيني.
وللاشارتين دلالة مضمرة:استجابة شعورية متعالقة سببياً مع مؤثر خارجي مكزماني .
المقاربة :اثر نفسي لمؤثر خارجي، سالب للاتزان الداخلي .
(تاءالفاعل) المتصلة بهما :اشارة الى من يتابع اللعبة / الدست الشطرنجي ، فلو كانت اشارة الى (اللاعب) لتوقف عن ممارسته فعلاً رتيباً يسبب له الضجر (الملل).
دلالةالتاءالمتصلة :الشاعر الفاقد سلامه الداخلي وهو يرى وطنه مستباحاً مهدورة دماء ابنائه  لمعاودة  (اللاعب)  تكرار لعبته .
دلالة تكرار اللاعب لُعبتَه ( مبعث ملالة المتابع / الشاعر) :
اللاعب / القائد الحاكم، دائم الخسارة، ورغم جسامة ما (يُقتَل) من جنوده واصطباغ رقعة الدست / الوطن ، بدمائهم ،و استحالتها محرقة (( احْتَرَقَت كُلّ المربعات )) لأحلامه بالفوز والغلَبة ، الا انه يكرر اللعب /المعارك ،بحثاً عن انتصار ، ولكن من هو خصمه ؟  .
بالقراءة السياقية للاشارتين ( شهرزاد / شهريار) نجد انهما مقاميتان / التراث الادبي العربي ، قام الشاعر بالتناص معهما :
(( متى يا شَهْرَزاد؟
ستقصين لشهريار النائم
حِكَايَاتِ مَا خَلَّفَ الْجُدْرَان ))
ليقدم للقارئ مفتاحاً دلالياً يساعده على فهم نصه .
فمقاربة ظاهر دلالتيهما السياقية (الف ليلة وليلة ) :
الضحية ( من عامة الناس ) / الجلاد ( حاكم سلطوي ).
جلاد جائر جعل من بلاط حكمه رقعةً شطرنجية، فوق نطعها ( النطع : بساطٌ من جلد يُفرش تحت المحكوم عليه بالقتل ) ، ادمن التلاعبّ بدماء ضحاياه  ، يسفكها  في حروبه العبثية ، وينام حالماً بالانتصار.
بذا تعرفنا على خصم هذا الحاكم الجلاد وهو الشعب المقهور.
وبتعالق (بلاط شهريار) تناصياً مع ( المربع الاحمر ) عند احالته على  خطاب المنادي / الشاعر في :
(( ...أَيُّهَا الْمُرَبَّع الْأَحْمَر
... صمتك المشؤوم
وضجيج كَذَّبَك الرنان
احْتَرَقَت كُلّ المربعات 
...
...
لَم تَكْتَرِث لبكاء الْعَصَافِير .
بَل رَاقَ لَك نَحِيب الْغِزْلَان ))
يحل ( شهريار / الحاكم الجلاد ) محل ذلك المربع  ،كمُنادى معقلن مكثف الازاحة عنه،
فصمت الجلاد واصداء كذِبه واستحالة ا يبعثان على التشاؤم من تكرار سفكه الدماء ،وتشويه جميل معاني الحياة ، لايحفل بدموع ضحاياه ويطرب لأنينهم كما في   المقاربة :
العصافير / رمزية جمالية حياتية
الغزلان / رمزية جمالية انسانية /الفتيات الحسناوات( سياقية ادبية تراثية عربية )
وهو ( الجلاد) منقطع لروتينية فعله الدامي ،
غير دارٍ بما  يدور من (( حِكَايَاتٌ مَا خَلَّفَ الْجُدْرَان )) عمايصيب الناس من بلاء جراء ماتقترف يداه بحقهم ، فهاهم تجار حروبه يبيعون اشلاء الوطن بلا حساب :
(( ...السَّمَاسِرَة
وَهم يمَزَّقون أَوْصَال الرُّقْعَة سِرًّا
ويبيعونها مقطعة بِلَا مِيزَان ))
فيطلق الشاعر صرخة رفضه شنيع هذه الجرائم :
(( لم احْتَمَل ...))
فهو يشعر بفداحة آلام ناسه المعذبين :
((أَنَا لَسْت جلموداً وَلَا جبلاً))
ولانه مخذول لم يجد من ينصره لرد الظلم عنهم يختار الرحيل عن الوطن :
(( فَكَيْفَ لِي الْبَقَاءِ فِي ذَاكَ الْمَكَان 
...
ورحتُ أَزْحَف خَارِج الزَّمَان
بَيْنَمَا رَأْسِي المنكوب
رَاحت تهتَزّ يَمِينًا وَشِمَالاً
وَهي تنفُض غُبَارٌ الْخِذْلَان ))
فلا غير المنافي :
(( للمجهول اكملت المسير ))
مراهناً على حلم العثور على بعض امان وسكينة فيها :
((وظنّنت أن أنال مِن جُيُوب الْغَد
قَلِيلًا مِنْ الهُدوء وَشَيْئًا مِنْ الْأَمَان ))
لكنه لم يجد غير لوعة وهمٍّ ثقيل :
(( لَكِن كُلَّمَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِ العابرين
أَمْطَرَت سمائي حزنها
وتبللت مني الْوَجْنَتَان ))
فبعيداً عن حضن الوطن ليس هناك سوى يباب قاحل المشاعر حيث تتناسل الذكريات حسب  لتلد ذكريات :
(( خَارِجِ الرُّقْعَةِ
بِلَا أَمْطَار تنبت دوما ،
بِذور الذَّاكِرَة ))
ـ باسم الفضلي العراقي ـ


No comments:

Post a Comment