بناء النص الشعري
.............................
اصبح الشعر في حياتنا حاجة تلوذ النفس به وتحتويه كما باقي الفنون الجميلة من الموسيقى والرسوم والافلام ، وظل رقما صعبا بين الارقام التي احتفظت بألقها وجمالها وحسن بديعها .
والبناء في معناه العام هو الخلق والصناعة والتكوين وله قياسه وشروطه التي لابد من توفرها في الشاعر ومثلها في القصيدة ، والشاعر لابد له من بيئة ومحيط توفران حالة واستعدادا نفسيا لبدء نسيج الصنع وتصويره ودقة في اختيار المفردة ولفظها وما يدلل معناها بسهل البيان دون عناء ، وهنا لابد من الشروط التي تبنى عليها القصيدة :
⁃ اختيار اللفظ المناسب
⁃ الابتعاد عن هجين اللفظ وانتقاء اجزله
⁃ اللفظ السهل البديع
⁃ المعنى الظاهر الواضح والمبين
⁃ الابتعاد عن التعقيد والرمزية والتوعر
⁃
والتجربة الشعرية لابد لها من خيال واسع وصورا شعرية تحتوي الوحدة الفكرية التي تزينها الموسيقى واضافات من المحسنات والبديع لتظهرها بقوام رشيق مهذب وتقدمها على مائدة شهية تتنوع فيها الاذواق والطعم وتنبعث منها كل روائح التجديد والابتكار .
ولتبسيط فكرة البناء التي راح اليها علماء اللغة ومفكريها الى التعقيد والتمحيص واتساع نظرياتهم في الاعداد والتوجيه ، فنحن نرى ان قياس البناء تكون في وحدة الاختيار والتركيز في الانتقاء واعتماد الحس وما تهيج به النفس لتنقل الحدث الشعري من بواطن الشاعر واحساسه الى ظواهر المفردة التي يكتبها وينقلها بكل هذه الحواس الى القارئ والمتلقي ، واظن انه على الشاعر ان يكون هو الناقد والكاتب والقارئ في ذات الوقت لما يختار وان ياخذ بالنص الى كل حدوده ويحافظ على مراجعته لتقويم ما ينقض من بناءه وترميم ما يشوب ويعيب اخراجه وتأطيره بما يطيب النفس ويفيض عليها بشذى العبق.
وعلى هذا ، فان الشاعر يستقبل النص ويحضره في خياله وفكره قبل المباشرة بكتابته بعد ان ينتقي استهلاله ويختار وزنه وقافيته على ايا من البحور التي تناسبه ، ولابد ان يتضمن النص كل اللوازم والادوات الشعرية التي من شأنها ان تاخذ بالبناء الى تقويم ورفع قواعد اسسه .
ومن هذه الادوات واللوازم التي يختارها
الشاعر لبناء النص واعتبارها اسس التقويم ما يلي:
⁃ الصور الشعرية وجمل توصيفها
⁃ جزالة اللفظ والمعنى والبيان
⁃ انتقاء المفردة اللغوية باتقان ووضعها في محلها المناسب وموقعها الصحيح
⁃ الاهتمام بصور التشبيه والتقريب بما يألفه القارئ بمحيطه والبيئة
⁃ الاشارة الى بيان المفردة اللفظية بما يداني معناها في صيغتها اللغوية
⁃ توصيف الجملة الشعرية بالمادة الحسية القريبة من ذهن وبال القارئ وتجاورها مع تفكيره وفهمه
⁃ توظيف البديع ومحسنات اللفظ والتزيين بشكل لا يفقد متانة وقوة الجملة الشعرية ، بل يزيد من جمالها وعذوبة وقعها
⁃ الابتعاد عن الحشو في المفردات واستغلال المساحة الشعرية في المتن بما يخدم موضوعة النص
⁃ الاهتمام باستهلال النص بابيات شعرية تجذب القارئ وتستقطب نهمه لمتابعة النص .
⁃ الاهتمام بتسلسل احداث اختيار النص الشعري في المتن وانتقالاته بما يوافق قصة النص وعنوانه
⁃ التركيز في ختم النص بابيات توجز للقارئ تفاصيل احداثه والمراد من توصيفه واستهلاله وعلى ان تكون واضحة ومتممة لموضوعه
⁃ واخيرا تجنب المبالغة في الرمزية واشارات اللغو في المعنى والمقصود والطواف حول تقليد النهج الهجين من النظم الذي لا يتوافق ونهج قياس الشعر العربي
ولا يخفى على الشاعر التركيز في الحس الذي يعتبر مفتاح وسر النص الشعري الذي يسند كل مقوماته ويعكس للقارئ
الصدق في الحدث ورؤيته ، وهو كذلك مرآة لموهبة الشاعر وفطرته وحسن قراءته ومهارة استخدامه في تطويع المفردة وتوصيفها.
وقبل ان نختم المقال ، لابد من التذكير باستغلال حنكة الشاعر في استخدام المفردات ومرادفاتها وصياغة ما يقابلها من مضاداتها في التطويع واحتراف صنعة التزويق اللفظي ، اما ما يثار عن استكثار الشاعر لقراءة غيره من الشعراء فهو مصدر لاثراء خيال القارئ واقتباسه لخبرة من سبقه الى هذه الصنعة في وقت يوصي بعدم التاثر بشاكلة بناء ونظم شاعر معين خوفا من التقليد والاتجاه بناحية بعيدة عن الابداع والابتكار والاتيان بذات الخيال والفكرة فيفقد الشاعر ثقته بما يكتب وينحصر نتاجه بشاكلة من يتاثر به من الشعراء .
وختاما فان الشعر هي صنعة ومهارة في الخلق والتصوير لا تختلف عن باقي الفنون وخاصة المتعلقة بالنغم والموسيقى التي تبنى على ذات الشكل في مضمون قياس المقامات واختياراتها فالشعر في بحوره العروضية مستودع لاينضب من الثراء والدرر اللفظية التي تحاكي لغة البناء الشعرية وعالمها الذي يتسع لكل اجتهاد وابتكار .
..................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق/ بَغداد
No comments:
Post a Comment