Tuesday, April 21, 2020

الكاتب القدير د.صالح العطوان الحيالي الحيالي / الاوبئة في زمن الاسلام

النبي صلى الله عليه وسلم والاوبئة
ـــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - 15-4-2020
إن من علامات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ودلائل صدقه عليه الصلاة والسلام: تحقق ما أخبر به حين كان ينزل عليه الوحي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبر يومها بما يكون قبل الساعة من الملاحم والفتن، ولا يزال ذلك يتحقق، ويراه الناس أمام أعينهم، فيصدقون ما أخبربه صلى الله عليه وسلم، فيعلمون أنه رسول الله حقا. توقن بذلك قلوبهم، وتطمئن بذلك نفوسهم، ويثبت الله المؤمنين بحمده سبحانه في زمن الفتن، وفي زمن البلاءات المزلزلات، والفتن التي تحرف كثير من الناس، وتزلهم عن الثبات، وأهل الايمان على هدى من ربهم، ثبتوا فثبتهم الله، واستقاموا فأقامهم الله على دينه القويم، وصراطه المستقيم.
إن مما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيقع في آخر الزمان، انتشارالاوبئة، الموت بين الناس، وكثرة موت الفجأة، وذلك يكون بأمور كثيرة، من الحوادث، والزلازل، والبراكين، والاوبئة، والاعاصير، وغير ذلك من الطوافين التي يكون فيها هلاك لأعداد كبيرة من الناس، وكذا الحروب والملاحم التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها تكون في آخر الزمان، حينما يفسد الناس، وتكثر الفتن، والجهل والبعد عن دين الله، وعندما يتجرأ الناس على حدود الله -عز وجل-، وعندما يكثر الفساد، وعندما يكثر الفساد في الأرض، فيكون بذلك أمور تنذر الناس وتقرعهم، فيها موت للبشر، وللدواب، وللنبات، ولغير ذلك مما هو قوام حياة الإنسان، وحياة غيره على هذه الأرض.
   إن الله -عز وجل- أخبرنا في كتابه الكريم أنه ما أصاب أحد مصيبة إلإ كانت بما كسبت يداه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
ولقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يزال يتفاقم هذا الأمر، حتى أن الإنسان ليمر بالقبر، فيتمنى أن يكون مكان المقبور من شدة ما يرى من القتل، واستباحة الدماء، واختلال الأمن، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
وهذا يعيشه ناس كثير في بلدان كثيرة اليوم.
وأما الموت بالأوبئة، فالنصوص عليها واردة من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن علامات الساعة، ففي حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، وهو في قبة له من أدم -أي خيمة من جلد-: "أعدد ستا بين يدي الساعة: موتي -صلى الله عليه وسلم-، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مئة دينار فيضل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلإ دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الاصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا" [رواه الإمام البخاري].
فهذه الست من علامات الساعة، قد مضى منها: موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومضى منها: فتح بيت المقدس، وقد جاء في ذكر فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ما جاء بعدها من ذكر الموتان، وهي أوبئة وطواعين أصابت الناس، فجاء طاعون عمواس، حيث أن الناس في زمن عمر -رضي الله عنه- أصابهم ذاك الطاعون في بلاد الشام، فهلك خلق كثير، وقد قال بعض أهل العلم: أنه هو الذي أراده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بموت يأخذ فيكم كأقعاص الغنم" أي: كمرض يصيب الغنم يفتك بها، ويهلك منها الاعداد الكثيرة.
وبعض أهل العلم يقول: إنه ليس محصورا في طاعون عمواس، الذي مات فيه عدد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل هو متكرر بعد ذلك، فقد كثر الموت في هذه الامة في أزمنة متعددة، بكل ما أخبر به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالقتل، وبالاوبئة، فقد جاءت أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها: حديث عائشة -رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون" [رواه أحمد].
والطعن، هو القتل.
والطاعون، هو الوباء.
وهذا مما بشر به النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر، وهو لا ينطق عن الهوى، ذكر المؤرخون: أن كثرة الموتان له أسباب من كثرة المجاعات، أو كثرة الفتن، أو كثرة الهرج، والقتل، أو وقوع الوباء، وسببه في الغالب فساد الهواء لكثرة العمران، لكثرة ما يكون بداخله، ويخالطه من العفن، والرطوبات المفسدة، وإذا فسد الهواء، وهو غذاء الروح الحيواني، فإنه يسري الفساد، فيكون بذلك ما يكون ما عرف في الأزمنة المتأخرة من الفيروسات، وغيرها من أسباب الهلكة، والموت.
وكذلك تكون جزاء مرتبا على ما يراه الله -عز وجل- من الفساد في الأخلاق، والاختلال في التدين، والبعد عن حدود الله -عز وجل-، وقد أنذر نبينا -صلى الله عليه وسلم-: أن كثرة الفتن تكون بسبب اختلال الدين، والجرأة على المعاصي، سيما الزنا، والربا، فما ظهر الزنى في قوم حتى يجهرو ابه إلا كثر فيهم من الطواعين، والأوجاع، ما لم يكن في أسلافهم.
ودلت السنة: على أن الفواحش والبغي أيضا سببان لكثرة ا?وبئة، ففي الحديث: "لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم من الطواعين، والاوجاع التي لم تكن فيمن مضى من أسلافهم الذين مضوا".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما ظهر البغي -أي الظلم والجور والعدوان- في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان".
فهذا هو سبب هذه الاوبئة: كثرت المعاصي، والفواحش، وكثرة الظلم والجور.
وقد وقع في المائة الاولى من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة طواعين مهلكة ابتلي بها الناس آنذاك، فمنها: الطاعون الذي وقع في السنة السادسة من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- عام صلح الحديبية، لكنه لم يكن في جزيرة العرب، بل وقع في بلاد الشام، في بلاد فارس والروم، وسلم منه أهل الاسلام.
ثم الطاعون الثاني: وهو طاعون عمواس في بلاد الشام أيضا، واسشتشهد فيها جمع من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبرزهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، وأبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وغيرهم، وقد هلك فيه أكثر من خمسة وعشرين ألفا، وكان عمر حينها يفتح بيت المقدس في فلسطين، ثم انصرف بالمسلمين تنفيذا لما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تدخولها، وإن كنتم فيها فلا تخرجوا منها".
وهذا تأصيل لنظام الحمية في الإسلام، والحجر الصحي، فمن كان في بلد موبوء، فلا يجوز له أن يخرج منه، حتى لا ينقل العدوى، فكم من حامل للمرض ليس بمريض.
ومن كان في خارج البلد، فلا يجوز له أن يدخلها إذا تيقن الوباء؛ حتى لا يصاب بما هو منه في عافية.
وحصل طاعون بعد ذلك أيضا سمي الطاعون: الجارف؛ لكثرة ما اجترف من الناس وأهلك، وذلك في زمن دولة عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه وأرضاه-، وقد جاء فيه أنه هلك في يوم واحد سبعون ألفا، ومات فيه لانس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاث دعوات عندما طلبت أمه من رسول الله ذلك، فقالت: ادع لبني هذا، فقال: "اللهم كثر ماله وولده، وأدخله الجنة" فكثر ولده، حتى أنه في هذا الطاعون الجارف مات له في يوم واحد ثلاثة وسبعون ولدا.
قال الفقهاء: ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة -رضي الله عنه- أربعون ابنا في يوم واحد.
ومات لعبيد الله بن عمير ثلاثون ابنا.
ومات لصدقة بن عامر سبعة أبناء في يوم واحد، دخل بيته فوجدهم قد سجوا جميعا، فقال : "اللهم إني مسلم مسلم".
وقال معاذ التمار: وأخبرت أن الدار تصبح وفيها خمسون، فتمسي وليس فيها أحد.
وأما الطاعون الرابع في المائة الآولى: فكان سنة 87 من الهجرة، ويسمى طاعون: الفتيات؛ لآنه بدأ في العذارى، والبنات، والجواري، وابتدأ من البصرة في العراق، وبواسط، ثم انتقل إلى الشام، والكوفة، ومات فيه كثير من الناس، حتى مات منهم عبد الملك بن مروان الخليفة، ولذا يسميه بعض المؤرخين بطاعون: الاشراف؛ لكثرة ما مات فيه من أصحاب المكانة والشرف.
وتتابعت الاوبئة والطواعين عبر القرون، ووقع ما أخبر به رسولنا -عليه الصلاة والسلام- من كثرة الموتان، وأنه من علامات الساعة، وأن فناء أمته صلى الله عليه وسلم بالطعن، والطاعون، أي بالقتل، والاوبئة، فكان صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما يقع، وهو الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام.
عباد الله: في زماننا هذا كثرت الاوبئة، وكان فيها من الاوبئة ما لا يعرف في الزمن السابق، فانتشر في الناس أمراض غريبة عجيبة، فهذا ا?يدز، وهذا السارس، وهذا جنون البقر، وهذا انفلونزا الطيور والخنازير، وغيرها من الاسماء التي ظهرت، وتظهر كل يوم في مسمى جديد، ومنها: الكورونا، ومنها: آيبولا، ومنها غيره، حتى أن منظمة الصحة الدولية سجلت في خمسة أعوام فقط أكثر من مائة وألف وباء، في مناطق العالم المختلفة، وبإذن الله -تعالى- تمكن الخلق من السيطرة عليها، واكتشاف اللقاحات التي تمنعها -بإذن الله عز وجل-؛ لكن إذا أذن الله بفناء جمع من الناس عجزوا عن السيطرة عليها، والله يحكم لا معقب لحكمه.
(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الايات والذكر الحكيم.
نسأل الله أن يتم على هذه البلاد الأمن والإيمان، وأن يصرف عنها كل شر وفتنة، وأن يعافي إخواننا المسلمين
المصادر
القران الكريم
صحيح مسلم
صحيح البخاري
مسند احمد


النبي صلى الله عليه وسلم والاوبئة
ـــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - 15-4-2020
إن من علامات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ودلائل صدقه عليه الصلاة والسلام: تحقق ما أخبر به حين كان ينزل عليه الوحي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبر يومها بما يكون قبل الساعة من الملاحم والفتن، ولا يزال ذلك يتحقق، ويراه الناس أمام أعينهم، فيصدقون ما أخبربه صلى الله عليه وسلم، فيعلمون أنه رسول الله حقا. توقن بذلك قلوبهم، وتطمئن بذلك نفوسهم، ويثبت الله المؤمنين بحمده سبحانه في زمن الفتن، وفي زمن البلاءات المزلزلات، والفتن التي تحرف كثير من الناس، وتزلهم عن الثبات، وأهل الايمان على هدى من ربهم، ثبتوا فثبتهم الله، واستقاموا فأقامهم الله على دينه القويم، وصراطه المستقيم.
إن مما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيقع في آخر الزمان، انتشارالاوبئة، الموت بين الناس، وكثرة موت الفجأة، وذلك يكون بأمور كثيرة، من الحوادث، والزلازل، والبراكين، والاوبئة، والاعاصير، وغير ذلك من الطوافين التي يكون فيها هلاك لأعداد كبيرة من الناس، وكذا الحروب والملاحم التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها تكون في آخر الزمان، حينما يفسد الناس، وتكثر الفتن، والجهل والبعد عن دين الله، وعندما يتجرأ الناس على حدود الله -عز وجل-، وعندما يكثر الفساد، وعندما يكثر الفساد في الأرض، فيكون بذلك أمور تنذر الناس وتقرعهم، فيها موت للبشر، وللدواب، وللنبات، ولغير ذلك مما هو قوام حياة الإنسان، وحياة غيره على هذه الأرض.
   إن الله -عز وجل- أخبرنا في كتابه الكريم أنه ما أصاب أحد مصيبة إلإ كانت بما كسبت يداه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
ولقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يزال يتفاقم هذا الأمر، حتى أن الإنسان ليمر بالقبر، فيتمنى أن يكون مكان المقبور من شدة ما يرى من القتل، واستباحة الدماء، واختلال الأمن، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
وهذا يعيشه ناس كثير في بلدان كثيرة اليوم.
وأما الموت بالأوبئة، فالنصوص عليها واردة من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن علامات الساعة، ففي حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، وهو في قبة له من أدم -أي خيمة من جلد-: "أعدد ستا بين يدي الساعة: موتي -صلى الله عليه وسلم-، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مئة دينار فيضل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلإ دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الاصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا" [رواه الإمام البخاري].
فهذه الست من علامات الساعة، قد مضى منها: موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومضى منها: فتح بيت المقدس، وقد جاء في ذكر فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ما جاء بعدها من ذكر الموتان، وهي أوبئة وطواعين أصابت الناس، فجاء طاعون عمواس، حيث أن الناس في زمن عمر -رضي الله عنه- أصابهم ذاك الطاعون في بلاد الشام، فهلك خلق كثير، وقد قال بعض أهل العلم: أنه هو الذي أراده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بموت يأخذ فيكم كأقعاص الغنم" أي: كمرض يصيب الغنم يفتك بها، ويهلك منها الاعداد الكثيرة.
وبعض أهل العلم يقول: إنه ليس محصورا في طاعون عمواس، الذي مات فيه عدد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل هو متكرر بعد ذلك، فقد كثر الموت في هذه الامة في أزمنة متعددة، بكل ما أخبر به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالقتل، وبالاوبئة، فقد جاءت أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها: حديث عائشة -رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون" [رواه أحمد].
والطعن، هو القتل.
والطاعون، هو الوباء.
وهذا مما بشر به النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر، وهو لا ينطق عن الهوى، ذكر المؤرخون: أن كثرة الموتان له أسباب من كثرة المجاعات، أو كثرة الفتن، أو كثرة الهرج، والقتل، أو وقوع الوباء، وسببه في الغالب فساد الهواء لكثرة العمران، لكثرة ما يكون بداخله، ويخالطه من العفن، والرطوبات المفسدة، وإذا فسد الهواء، وهو غذاء الروح الحيواني، فإنه يسري الفساد، فيكون بذلك ما يكون ما عرف في الأزمنة المتأخرة من الفيروسات، وغيرها من أسباب الهلكة، والموت.
وكذلك تكون جزاء مرتبا على ما يراه الله -عز وجل- من الفساد في الأخلاق، والاختلال في التدين، والبعد عن حدود الله -عز وجل-، وقد أنذر نبينا -صلى الله عليه وسلم-: أن كثرة الفتن تكون بسبب اختلال الدين، والجرأة على المعاصي، سيما الزنا، والربا، فما ظهر الزنى في قوم حتى يجهرو ابه إلا كثر فيهم من الطواعين، والأوجاع، ما لم يكن في أسلافهم.
ودلت السنة: على أن الفواحش والبغي أيضا سببان لكثرة ا?وبئة، ففي الحديث: "لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم من الطواعين، والاوجاع التي لم تكن فيمن مضى من أسلافهم الذين مضوا".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما ظهر البغي -أي الظلم والجور والعدوان- في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان".
فهذا هو سبب هذه الاوبئة: كثرت المعاصي، والفواحش، وكثرة الظلم والجور.
وقد وقع في المائة الاولى من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة طواعين مهلكة ابتلي بها الناس آنذاك، فمنها: الطاعون الذي وقع في السنة السادسة من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- عام صلح الحديبية، لكنه لم يكن في جزيرة العرب، بل وقع في بلاد الشام، في بلاد فارس والروم، وسلم منه أهل الاسلام.
ثم الطاعون الثاني: وهو طاعون عمواس في بلاد الشام أيضا، واسشتشهد فيها جمع من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبرزهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، وأبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وغيرهم، وقد هلك فيه أكثر من خمسة وعشرين ألفا، وكان عمر حينها يفتح بيت المقدس في فلسطين، ثم انصرف بالمسلمين تنفيذا لما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تدخولها، وإن كنتم فيها فلا تخرجوا منها".
وهذا تأصيل لنظام الحمية في الإسلام، والحجر الصحي، فمن كان في بلد موبوء، فلا يجوز له أن يخرج منه، حتى لا ينقل العدوى، فكم من حامل للمرض ليس بمريض.
ومن كان في خارج البلد، فلا يجوز له أن يدخلها إذا تيقن الوباء؛ حتى لا يصاب بما هو منه في عافية.
وحصل طاعون بعد ذلك أيضا سمي الطاعون: الجارف؛ لكثرة ما اجترف من الناس وأهلك، وذلك في زمن دولة عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه وأرضاه-، وقد جاء فيه أنه هلك في يوم واحد سبعون ألفا، ومات فيه لانس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاث دعوات عندما طلبت أمه من رسول الله ذلك، فقالت: ادع لبني هذا، فقال: "اللهم كثر ماله وولده، وأدخله الجنة" فكثر ولده، حتى أنه في هذا الطاعون الجارف مات له في يوم واحد ثلاثة وسبعون ولدا.
قال الفقهاء: ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة -رضي الله عنه- أربعون ابنا في يوم واحد.
ومات لعبيد الله بن عمير ثلاثون ابنا.
ومات لصدقة بن عامر سبعة أبناء في يوم واحد، دخل بيته فوجدهم قد سجوا جميعا، فقال : "اللهم إني مسلم مسلم".
وقال معاذ التمار: وأخبرت أن الدار تصبح وفيها خمسون، فتمسي وليس فيها أحد.
وأما الطاعون الرابع في المائة الآولى: فكان سنة 87 من الهجرة، ويسمى طاعون: الفتيات؛ لآنه بدأ في العذارى، والبنات، والجواري، وابتدأ من البصرة في العراق، وبواسط، ثم انتقل إلى الشام، والكوفة، ومات فيه كثير من الناس، حتى مات منهم عبد الملك بن مروان الخليفة، ولذا يسميه بعض المؤرخين بطاعون: الاشراف؛ لكثرة ما مات فيه من أصحاب المكانة والشرف.
وتتابعت الاوبئة والطواعين عبر القرون، ووقع ما أخبر به رسولنا -عليه الصلاة والسلام- من كثرة الموتان، وأنه من علامات الساعة، وأن فناء أمته صلى الله عليه وسلم بالطعن، والطاعون، أي بالقتل، والاوبئة، فكان صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما يقع، وهو الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام.
عباد الله: في زماننا هذا كثرت الاوبئة، وكان فيها من الاوبئة ما لا يعرف في الزمن السابق، فانتشر في الناس أمراض غريبة عجيبة، فهذا ا?يدز، وهذا السارس، وهذا جنون البقر، وهذا انفلونزا الطيور والخنازير، وغيرها من الاسماء التي ظهرت، وتظهر كل يوم في مسمى جديد، ومنها: الكورونا، ومنها: آيبولا، ومنها غيره، حتى أن منظمة الصحة الدولية سجلت في خمسة أعوام فقط أكثر من مائة وألف وباء، في مناطق العالم المختلفة، وبإذن الله -تعالى- تمكن الخلق من السيطرة عليها، واكتشاف اللقاحات التي تمنعها -بإذن الله عز وجل-؛ لكن إذا أذن الله بفناء جمع من الناس عجزوا عن السيطرة عليها، والله يحكم لا معقب لحكمه.
(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الايات والذكر الحكيم.
نسأل الله أن يتم على هذه البلاد الأمن والإيمان، وأن يصرف عنها كل شر وفتنة، وأن يعافي إخواننا المسلمين
المصادر
القران الكريم
صحيح مسلم
صحيح البخاري
مسند احمد


No comments:

Post a Comment