بقلم سلمى النعيمي .
باحثة اكاديمية في العلوم القانونية
أديبة وفنانة تشكيلية ومصممة حلي ...
هوية الشباب بين الإغتراب والإندماج
من المؤسف أن أشعر بالخجل إزاء ما تقوم به السلطات الحاكمة للشباب المبدع من ظلم، إذ أن الولاء الزائد لمن أجبرنا على ارتجاع نظام السادية وسخريتهم في معظم المجالات الإبداعية مع مفاهيم حقوق الشباب ، ليس فقط من الناحية العملية الفعلية ، وإنما من الناحية الفكرية .
فهل استطاع مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي تفعيل هذه الخاصية وبذات مادته 19 من القانون – 5- 12 كانون الأول/ ديسمبر ،والساري منذ 2015 ؟
رغم مجموعة الحقوقيين والمثقفين في جامعة منيسوتا بسيراكوزا ،إلا أن الحكومات بأكثريتها إن لم يكن جميعها ترتكب العديد من الانتهاكات لحقوق الشباب، أو تغض البصر عن ارتكابها رغم عمق نظرتها أو أنها لا تقوم بالحماية الكافية لها ،وتسهيل ممارستها ضمن ما يطلق عليه "حق مكفول للجميع".
لما كان الإقرار بها لجميع أعضاء المجتمع البشرى من كرامة أصيلة فيهم ومن حقوق متساوية وثابتة، بشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، ونظرا لما يجمع بين أبناء الأمة العربية في كافة أقطارها من روابط قومية لا تنفصم تتمثل في وحدة القيم والتراث والتاريخ والحضارة والمصالح ،والتي كرم الله أرضها بأن جعلها مهد الرسالات السماوية وبحكم الآمال التي يتطلعون إليها من أجل استئناف المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية وتقدمها، وحيث أن تجاهل الحقوق الجماعية للأمة العربية والحقوق الفردية في أراضيها قد أفضى إلى كل كوارث لا حصر لها بدءا من احتلال فلسطين ،وإقامة كيان عنصري غريب فيها واقتلاع شعبها منها وانتهت باستباحة الأرض العربية كلها ،وإهدار مواردها البشرية والمادية عامة وطاقاتها الشبانية خاصة ، وأصبحت دماؤهم الزكية تستباح بوقاحة ما أدى إلى نزوح آفة طمس هوية الشباب المبدع وكأنهم يروجون لبضاعة سم قاتل للإبداع والمواهب ، وربط مقدرتها ومصيرها بقوى خارجية عنها ، وبالتالي عجزها عن مجابهة نموها واستقلالها وتحقيق أمانيها المشروعة، ولما كان الخروج من هذا الواقع المفجع لا يكون إلا بالالتقاء على فهم مشترك لتلك الحقوق المستباحة بسفالة ،وعلى الوسائل اللازمة لضمان حمايتها في ظل مبدأ سيادة القانون إذا أريد للأمة العربية ألا تضطر آخر الأمر إلى القيام بالتمرد علي الطغيان والاضطهاد، "إن الجرأة لا تأتي إلا لمن منحك حق التجرأ ، فمواجهة المواقف بجرأة وإقدام لا وجود لشجاعة من غير جرأة الموقف ، وإلا صار الوقح فضوليا ".
وتأكيدا لإيمانهم بمبادئ الأمم المتحدة وشرعية حقوق الإنسان الدولية فان عددا من خبراء الأمة العربية من أهل الفكر والقانون الملتزمين بقضاياها ،والحريصين على مستقبلها ومصيرها المجتمعين في مدينة سيراكوزا بإيطاليا في الفترة من 5 إلى 12 كانون الأول (ديسمبر 1986) بدعوة من المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية يعلنون المشروع الآتي لميثاق عربي لحقوق الإنسان ،والشعب، ويتوجهون إلى أبناء الأمة العربية في أقطارها كافة لتبنيه كمثل أعلى تبلغه ،وأن يجعلوا منه بداية للمشروع القومي للنهوض بها من عثرتها، كما يتوجهون إلى الأقطار العربية منفردة ،ومجتمعة وإلى هيئاتها المشتركة، وفى مقدمتها جامعة الدول العربية لدراسته، وصولا إلى الأخذ به وتطبيقه.
إن الصوري في الموضوع هو سموه بنصوصه القانونية ، ولكن الفعلي في مضمونه غائي ينقضي بانقضاء غرضه ،ويكاد ينعدم وينبري حيز عن التطبيق ، فعلى سبيل المثال ،المادة 19 من الميثاق المذكور أعلاه والذي ينص :"توفر الدولة فرص التنمية البدنية والعقلية للشباب بمختلف الوسائل المتاحة."
إن الرائي لمعظم الأزقة العربية ، دور الشباب، ديوان الشباب، ووزارة الشباب وغيرها من المؤسسات الفرعية ، ولكن أقلية هم الشباب الذي يشغلون هذا القطاع، أو ربما يعدون على أطراف البنان ،ترى ما السبب في ذلك؟!.
من المتعارف عليه أن فئة الشباب يعتبرون من الموارد البشرية ، حتى أن الكفاءات في القطاع نفسه متوفرة وبإسهاب ، ألم يكن جديرا بهم اقتناء الكيف من أجل التطوير والصقل ؟ أ ليس من أهم روافد نجاح مؤسسات الدولة هو قوة مواردها البشرية ،وتثمين مداركها الابتكارية التي مع الاسف تكاد تضمحل ؟.
وكأننا في فترة سادية نتلذذ فيها بتعذيب أجساد بعضنا البعض بغية الوصول إلى اللذة الجنسية في ذلك.
ما هو متعارف عيه في في ميثاق حقوق الإنسان في الوطن العربي لسنة 2015 أنه لم يُفعل المادة التاسعة عشرة ، وهذا إن دل على أمر فهو يدل على استفحال ظاهرة قمع الأدمغة المغتربة في الوطن العربي .
لم تختلف مقاربة المغتربين الشباب و مواقف المواطنة فيهم حيال استمرارية إنتاج الإبداع في شتى مجالاته ،رغم احتقان المجال السياسي الداخلي منذ أن ولج الشباب في عالم التكنولوجيا ،لكن رغم هذا فإن الصراع ما فتئ حتى ألقى بثقله على عاتق الشباب ، رغم محاولات استثمار الأدمغة إلا أن المواطنة فيهم ظلت قابعة في غرائزهم ،ففي زمن العولمة صار الشباب عملة لترويج الأفكار الباطنية والأفعال الغاصبة لحقوقهم ، فإليك مثال الحراك مر عليه أشهر وما يزال الشباب يعانون من ضعف استثمار أدمغتهم ، حتى صار شعارهم " نعم للاغتراب " ، أما السلطات فبرروا إجحافهم في أنه "حق خارج عن القانون" ، وكأننا نعيد للدهر ماضيه ونسقي الحاضر بأكذوبة " كن شابا مرتزقا تنال العلا " ، الغريب في الموضوع أننا نعلم ولا نستطيع التغيير رغم الموارد البشرية التي بحوزتنا ، وعلى حساب بناء الوطن متزعمين بذلك تشييد دولة المواطنة في الحقوق المدنية ، فأين حق المغترب من كل هذا وأين الشباب من هذا القانون المبهم ، الذي يحمل ألف علامة استفهام ؟
ما يزال الفساد المالي والإداري ينخر بنيان الدولة العربية ، والجزائرية بصفة خاصة ، ملف الشباب صار طعما لاصطياد ثقتهم ، في الوقت ذاته يشتد الصراع بين المغترب وبين المواطن ، والحديث في التغيير أنه لم يتغير شيء.
يأتي اجتراحنا لهذه الحقوق المفقودة في سياق الإشكاليات التي قُمعت دون أن تدلي بشهادتها أمام أصحاب الحقوق ،لا يمكن التكهن باسم القانون ، ولكن لما صار القانون ذي ثغرات صار للثغرة ألف قفل ،فلا يمكننا تشريح المشكلة ولا توثق الحقوق ، ولا يعتلي الرجل المناسب مقامه المناسب...إلا بدعم الشباب فهم ذخيرة الدولة وهم زادها وقت الشدائد.
ربما نحن لم نباري بعد مشاكلنا ، رغم المواثيق التي أكدت حق الشباب في التنمية والدعم، فخير دليل لهذا المشكل الذي لا ينضبْ، استمرارية كسر وحبك مؤامرات ضد فئة الشباب .
ويبقى السؤال يطرح نفسه ،متى تسقى فئات الشباب بماء التطور؟
لنجيب على كل هذا قررت التوغل في نقطة مهمة وهي ، لو افترضنا أن الشباب هم المصابيح بكل منزل في أسرة من مجتمع دولة ، وقمنا بإطفاء كل المصابيح فهل يمكننا المكوث طويلا في دولة كل منازلها ظلماء؟
بالطبع لا ، نفس الشيء فيما يخص المشكلة المطروحة ، فالدعم يأتي من استغلال ذخيرة المجتمع من خلال فتح مشاريع تنموية للشباب ، وتأطيرهم على مستوى الإدارة ، حتى يسهل التعامل مع مؤسسات الدولة ناهيك عن تفعيل المادة 18 من نفس الميثاق والتي تقضي بمحو الفروق بين فئات الشباب ، ما يهم هي وجود الإرادة وتقبل التطور ..بقلم سلمى النعيمي .
No comments:
Post a Comment