المسور بن مخرمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق 9- 2-2020
الإمام الجليل أبو عبد الرحمن وأبو عثمان القرشي الزهري المِسْور بن مخرمة: بن نوفل بن أُهيب بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشيّ الزهريّ
أبو عبد الرحمن (2 هـ - 64 هـ) صحابي من صغار الصحابة، وأحد رواة الحديث النبوي.
سيرته
ولد أبو عبد الرحمن المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي سنة 2 هـ في مكة، وكان أبوه مخرمة بن نوفل من سادات بني زُهرة بن كلاب، وأم المسور عاتك وقيل الشفاء بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف. هاجر وأسرته إلى المدينة المنورة في ذي الحجة سنة 8 هـ، فأدرك المسور النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وسمع منه، لذا فهو يُعد في صغار الصحابة. بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بقيت أسرته في المدينة، ولزم المسور عمر بن الخطاب يحفظ عنه ويتعلم منه. ولما بدأت حملات الفتوح الإسلامية، شارك المسور في فتوحات العراق وفارس، وكان ممن شاركوا في معركة القادسية. وبعد الفتوح، عاد المسور إلى المدينة، أقام به، ولازم خاله عبد الرحمن بن عوف في ليالي الشورى التي حدّدها عمر بن الخطاب للستة الذين اختارهم للخلافة ليختاروا أحدهم فيما بينهم. ولما حُوصر عثمان بن عفان في آخر خلافته، بعثه عثمان بريدًا إلى معاوية بن أبي سفيان يستصرخه
بعد مقتل عثمان، سار المسور إلى مكة فلم يزل بها حتى وفاة معاوية واستخلاف يزيد بن معاوية، حيث سخط المسور إمرة يزيد، وانحاز إلى عبد الله بن الزبير. صار المسور من وزراء ابن الزبير الذين لا يقطع أمرًا دون مشورتهم. ولما بعث يزيد الحصين بن نمير السكوني لحصار ابن الزبير بمكة بعد وقعة الحرة، فقاتل المسور إلى جانب ابن الزبير إلى أنه أصابه حجر منجنيق أثناء الحصار وهو يصلي، وبقي خمسة أيام بعدها، ثم مات في أول ربيع الأول سنة 64 هـ، وصلى عليه بن الزبير بالحجون
للمسورُ بن مخرمة ذرية وهم : عبْدَ الرحمن وبه كان يكنى. وآمِنَة، ورملةَ، وأمَّ بكْر، وصُفَيًّا، وأمُّهُم، أَمَةُ الله بِنْتُ شُرَحْبِيل بن حَسَنَة. وَعَبْدَ الله، وهشامًا، ومحمدًا، والحصينَ، وحفصةَ، وأمُّهُم ابنةُ الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وعمْرًا، وحَمْزَةَ، وجعفرًا، وعوْنًا، لا بقيّة لأحد منهم، وهم لأمهات أولاد شتّى. وبُرَيْهَةَ، وأُمُّها، باديةُ بِنْتُ غيلان بن سلمة بن مُعَتِّب من ثَقِيف.
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شهد فتح مكة وسنّه ست سنين، ثم كانت هجرته. ولما كانت حجة الوداع شهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن رسول اللهr الخطبة التي أوجب رسول الله فيها على أهل مكة أن ينفروا من عرفة مع الناس، كما شهد وفاة رسول الله ، وفي خلافة عم عاش بداية شبابه، فكان يلزم الخليفة عمر ، ويأخذ عنه، ويتحدث عنه.
وشهد القادسية فوجد إبريق ذهبٍ ثمين، فبعث به إلى سعد بن أبي وقاص ، فنفله إياه، ولما كان عام الرمادة وقف المسوَّر إلى جانب عمر، يشرف، ويقوم بقسمة الطعام وتوزيعه على المسلمين. وكان يعسُّ (يطوف بالليل)، ويحرس مع الخليفة عمر
وحضر المسوَّر وصية عمر بتأمير أحد الصحابة الستة (الذين تُوفِّي النبي وهو عنهم راض) وهو على المنبر. كما روى قصة مقتله رضي الله عنهما.
ولما مات عمر كان بيت المسوَّر مأوى لأهل الشورى، وقام بمساعدة عبد الرحمن بن عوف في إدارة قضية الشورى حتى انتهت الخلافة عثمان
استقبل المسوَّر عهد عثمان مبايعاً حيث تمت البيعة في دار المسوَّر، وأرسل عثمان المسوَّر إلى معاوية يطلب النصرة منه في أثناء حصاره. وكان معاصراً في فتنة مقتل عثمان، ولما قتل صلّى عليه مع جمع يسير من الصحابة كما ذكر، ثم دُفن.
ولما جاءت خلافة علي انضم المسوَّر إلى صفوفه في مواجهة الأحداث، واستشار محمد بن الحنفية المسوَّر في خروج والده لمواجهة معاوية، فأشار بالموافقة. لم يرض المسوَّر عن ولاة الخليفة معاوية، فكان يطعن بهم، ووافق أن ورد المسوَّر على معاوية فيما بعد؛ فسأله عن طعنه ذلك، ودار بينهما حوار تمخّض عن تغيير المسوَّر رأيه في معاوية.
وحصل أن اعتدى والي المدينة على أرض للحسين بن علي رضي الله عنهما؛ فقام المسوَّر وجماعة من الصحابة بمناصرة الحسين واسترداد حقه.
ولما تُوفِّي معاوية انحاز المسوَّر إلى مكة، وكره بيعة يزيد. ولم يرض عن خروج الحسين إلى العراق، وحذره من ذلك مع عدم الجدوى. ولام المسوَّر عبد الله بن الزبير ، وعاتبه على تحريض الحسين على الخروج إلى العراق.
ولما دعا ابن الزبير بالخلافة لنفسه ناصره المسوَّر، ووقف معه، وكان عنده مستشاراً أميناً.
ولما جاء جيش الشام بقيادة الحصين بن نمير إلى مكة ونشب القتال بينه وبين جيش ابن الزبير ، أصاب حجر المنجنيق المسوَّر فمات بعد خمسة أيام، وغسله عبد الله بن الزبير وحمله في جملة من حُمل إلى الحجون.
اقواله
ــــــــــــــــ
عن أم بكر بنت المسور، أن المسور: احتكر طعامًا فرأى سحابًا من سحاب الخريف فكرهه، فلما أصبح أتى السوق، فقال: من جاءني وَلَّيْتُه. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأتاه بالسوق، فقال: أَجُنِنْتَ يا مسور؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت سحابًا من سحاب الخريف فكرهته، فكرهت ما ينفع الناس، فكرهت أن أربح فيه، وأردت أن لا أربح فيه فقال: جزاك الله خيرًا.
عن أم بكر ـــ قال مَرَّة إنَّ المِسْوَرَ، وقال مَرّةً عن المسور ـــ أنّ المسْورَ خرج تاجرًا إلى سوق ذي المجاز أو عكاظ، فإذا رجل من الأنصار يَؤُمُّ الناسَ أَرَتُّ أو ألْثَغُ، فأخّره وقدّم رَجُلًا، فغضب الرجلُ المُؤَخَّرُ، فأتى عُمَرَ فقال: يا أمير المؤمنين إن المسور أخّرني وقدّم رجلًا، فغضب عُمَرُ وجعل يقول: واعجبًا لك يا مسور وجعل يُرسل إلى بيته، فلما قَدِمَ المسور أُخْبر بذلك، فأتاه فلما رآه طالعًا قال: واعجبًا لك يا مسور فقال: لا تَعْجَل يا أمير المؤمنين فوالله ما أردتُ إلّا الخير قال: وأنّى الخير في هذا؟ فقال: إنَّ سوق عكاظ أو ذي المجاز اجتمع فيها ناسٌ كثير، عامتهم لم يسمع القرآن، وكان الرجلُ أَرَتَّ أو ألْثَغَ فخشيت أن يتفرقوا بالقرآن على لسانه فأخرته وقدمت رجلًا عربيًّا بيّنًا فقال عمرُ: جزاك الله خيرًا.
عن أم بكر بنت المسور، عن أبيها، قال: لما وَلِيَ عَبْدُ الرحمن بن عوف الشورى، قلتُ: إنَّ تَرْكِي خالِيَ وقد تحمّل أمَرَ المسلمين خطأٌ، فلزِمْتُه لزومًا لم أكن ألْزمه، ولم يك شيئا أحبّ إليّ مِنْ أن يليها عبدُ الرحمن أو سعدُ، فخرجت يومًا فأدركني عمرو بن العاص فناداني، يا مسورُ، يا مسورُ، فأقبلت عليه فقال: ما ظَنُّ خالِكَ بالله إنْ وَلَّى أحدًا وهو يَعْلَمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِمّنْ يُوَلّي؟ قال المسور: فقال لي شيئًا أشتهيه، فجئْتُ عبد الرحمن بن عوف فوجدْتُه مضطجعًا في رشّ دار المال واضعًا إحدى رجليه على الأرض، فقلتُ له: لو رأيتَ رجلًا قال لي كذا وكذا. فجلس فقال لي: مَنْ هو؟ فقلت: لا أخبرك، فحلف لا يكلّمني إذًا، فأخبرتُه فقال: والله لأن توضع سكّينٌ في لُبَّتِي حتى تخرج من سُرّتي، أحبُّ إليَّ مِنْ أن لا أتبع عمر بن الخطاب. قال: وطرقني عَبْدُ الرحمن في صُبْحِ الليلةِ التي بُويع فيها عُثْمانُ، فقال لي: يابن أختي اكْفني هذه الناحية ـــ يعني المهاجرين ـــ وأَكْفِيْك هذه الناحية ـــ يعني الأنصار ـــ وادْعُ عليًّا وعُثْمانَ، وكنت أحبُّ عليًّا، فقلت بأيّهما أبدأُ؟ قال: بأيّهما شِئْتَ. فجئْتُ عليًّا فقلت: إنّ خالي يدعوك يقول: وافني في دار المال. فقال: أرسلك إلى أحد معي؟ قلت: عثمان. قال: بأيّهما أمرك أن تبدأ؟ قلت: قد سَأَلْتُه، فقال: بأيّهما شئت. قال: ثم ذهبت إلى عثمان، فقلت: إن خالي يدعوك. فقال لي عثمان: أرسلك إلى أحد معي؟ فقلت: عليّ. فقال: بأيّهما أمرك أن تبدأ؟ فقلت: قد قلْتُ له، فقال: بأيّهما شئت. وقلت له: يقول لك وافني في دار المال. قال: ووعدهم دار المال إلى مَنْ جَمَعَ. قال: فدخلْتُ معهم، ووالله ما في الدار رجل إلّا من المهاجرين الأولين غيري. قال: فذاك حين شاورهم واجْتُمِعَ على بيعة عثمان فبايعوه جميعًا
عن ابن عباس. قالوا: بعث عثمان بن عفان بالمسور بن مخرمة إلى معاوية يُعْلِمه أنه مَحْصُورٌ، ويأمره أن يبعث إليه جيشًا سريعًا يمنعونه، فلما قدم على معاوية وأبلغه ذلك، ركب معاوية نجائبه ومعه معاوية بن حُدَيْج، ومسلم بن عقبة، فسار من دمشق إلى عثمان عشرًا، فدخل المدينة نصف الليل، فدقّ باب عثمان فدخل فأكبّ عليه فقبل رأسه، فقال عثمان: فأين الجيش؟ فقال معاوية: لا والله ما جئتك إلا في ثلاثة رهط، فقال عثمان: لا وصل الله رحمك، ولا أعزّ نصرك ولا جزاك عني خيرًا، فوالله ما أُقتل إلّا فيك ولا يُنْقم علي إلّا مِنْ أجلك، فقال معاوية: بأبي أنت وأمي إني لو بعثت إليك جيشًا فسمعوا به عاجلوك فقتلوك قبل أن يبلغ الجيش إليك، ولكن معي نجائب لا تُساير، ولم يشعرْ بي أحدٌ، فاخرجْ معي، فوالله ماهي إلا ثلاث ليالٍ حتى ترى مَعالم الشام، فإنها أكثر الإسلام رجالًا، وأحسنه فيك رأيًا، فقال عثمان: بئس ما أشرتَ به، وأبىَ أن يجيبه إلى ذلك. فخرج معاوية إلى الشام راجعًا، وقدم المسور يريد المدينة، فلقي معاوية بذي المَرْوَةَ راجعًا إلى الشام، فقدم المسور على عثمان وهو ذامٌّ لمعاوية غيرُ عاذرٍ له. فلما كان في حصره الآخر بعث المسْورَ أيضًا إلى معاوية فأغذّ السير حتى قدم عليه فقال: إن عثمان بعثني إليك لتبعث إليه الرجال والخيول، وتنصره بالحق وتمنعه من الظلم. فقال: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غيّر فغيّر الله به، فشددت عليه، فقال: يا مسورُ، تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته، قلتم: اذهب فادفع عنه الموت، وليس ذلك بيدي، ثم أنزلني في مشربة على رأسه، فما دخل عليّ داخل حتى قُتل عثمان رحمة الله عليه ورضوانه.
عبد الله بن جعفر، عن أبي عون، قال: رأيت المسور بن مخرمة حين خرج إلى مكة في وجهه الذي قُتِلَ فيه، كَتَبَ وصيَّتَهُ، ودفعها مختومةً إلى رجال من بني زهرة، وأشْهدهم أنْ ما فيها حقّ، وأمرهم أن يَشْهدوا على ما فيها وهي مختومة، فقبضوها على ذلك، فلما قُتل المسور دفعوا الكتاب إلى عبد الرحمن بن المسور، وكانت الوصيّةُ إليه، فَأَنْفَذَ ما فيهاعن المسور بن مخرمة
احاديث رواها
ــــــــــــــــــ
أن: عمرو بن عوف وهو حليف بني عامر بن لؤي وكان شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح فقدم بمال من البحرين، وسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء؟" قالوا: أجل يا رسول الله.
قال: "فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم". وجاء في صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي الهدي، وأشعر وأحرم بالعمرة.
ضرب المسوَّر مثالاً رائعاً في التقوى والورع، فقد كان إذا قدم مكة طاف لكل يوم غاب عنه سبعاً، وكان يفرق بين الأسابيع، ثم يصلي لكل أسبوع ركعتين، وكان لا يشرب من الماء الذي يوضع في المسجد؛ لكونه صدقة، كما أنه كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؛ فقد رأى رجلاً يسيء صلاته، فأمره، ونهاه، فأتم صلاته، ورفض أن يشهد على صدقة تصدق بها مروان بن الحكم لابنه عبد الملك لخلل فيها.
وكان من المفتين المشهورين في المدينة المنورة بعد الصحابة.
كان له باع لا بأس به في رواية الحديث، فقد أخرج له الأئمة التسعة، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الأربعة وعن أبي هريرة وعن عبد الرحمن بن عوف وغيرهم رضي الله عنهم، وروى عنه عروة بن الزبير وعلي بن الحسين وابنه عبد الرحمن وابنته أم بكر وغيرهم رضي الله عنهم. وأهم الأحاديث التي رواها: صلح الحديبية، وغزوة هوازن، والنهي عن الهجران، وغيرها
وفاته
أصابه حجر انفلق فأصابته قطعة في خده فمرض من ذلك وقالت أم بكر بنت المسور: فكنت أرى العظام تنزع من خد المسور.
ومكث بعد ذلك خمسة أيام ومات رحمه الله وذلك سنة 64.
المصادر
ـــــــــــــ
1- تهذيب الكمال للمزي
2- سير اعلام النبلاء
3- اسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير
4-الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني
5- الواقدي - المغازي
6- الطبقات الكبرى لابن سعد
7- ابن كثير، البداية والنهاية
8ـ ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك
9- ابو نعيم - مغرفة الصحابة
10- تاريخ دمشق -لابن عساكر
No comments:
Post a Comment